عشرة ابتكارات علمية وصلت عالمنا بمحض الخطأ و الصدفة


هل خطّط أحدكم يوماً لابتكار شيء ما وشرَع في إنجازه بالفعل إلا أنه قد تفاجئ بنتائج غير متوقعة ومغايرة تماماً لما كان مخطَّطٌ له؟ بالتأكيد فإن لا بد من حدوث هكذا حوادث مع العديد منا وإن كانت في ابتكار أطباق الطعام المنزلية على أقل تقدير.

العديد من هذه الصدف الغير منتظرة قد أنتجت في العصور السابقة مجموعة من أهم الاختراعات التي قد تكون السبب لحياة الكثير هذه الأيام، فإلى جانب البنسلين، الـ DNA، الملونات الصناعية، ورقائق بسكويت الكوكيز هنالك المزيد من تلك الابتكارات المفاجئة التي ظهرت على الأرض فيما كان بعض من العلماء والمبتكرين وحتى الطهاة يبحثون عن شيء ما لا يمس لما وجدوه بِصلة.

وسنستعرض هنا مجموعة من أهم تلك الابتكارات والأكثرها شهرة على الساحة دون العلم بأنها مجرد خطأ ارتكبه أحدهم في يوم ٍما.

- البارود
في أحد أيام القرن التاسع للميلاد كان مجموعة من الرهبان بصدد البحث عما يسمى “أكسير الحياة” واستخراجه من نترات البوتاسيوم، الكبريت، والعسل الطبيعي المجفف، لا أدري من أين أتو أساساً بهكذا وصفة لإحيائنا لكنها بنهاية المطاف قد خرجت بإكسير مخزي لما أمِلوا به وهو أكسير الموت “البارود“.

كما نعلم في الوقت الحاضر فإن البارود يستخدم في معظم القذائف المدفعية والذخائر الحربية حتى في رسم الوشوم على البشرة، فمن يتوقع من مشروع لأكسير الحياة بأن يذهب نحو البارود العدو الأول لها.

- الفوسفور المشع
في حوالي عام 1675 قام العالم الكيميائي “هينينغ براند” من ألمانيا بالاحتفاظ بخمسين دلو من البول في قبوه، آملاً يوماً ما بالحصول على خدعة علمية تحول هذا السائل إلى ذهب، وفي الواقع فإنه كان بانتظار اكتشاف “حجر الفيلسوف “ الذي قيلت عنه الشائعات بأنه قادر على تحويل العديد من المعادن العادية إلى معادن ثمينة.

بعد طول انتظار قرر هذا الكيميائي أن يخوض التجربة بنفسه ويقوم ببعض التجارب على تلك القوارير التي تحمل العديد من المعادن السائلة داخلها، وبالفعل فقد قام بتسخين بعض البقايا الناتجة عن البول المغلي إلى أن أصبح الوعاء الحاوي للسائل أحمر اللون مع تدفق باقي السائل خارج الوعاء والذي كان يعطي حينها بعضاً من الضوء، وعلى حد تعبيره فإنه قد وجد في المادة النهائية أنه إذا ما بقيت في وعاءٍ مغطى تبقى محافظةً على ذلك اللون الأخضر الشاحب الذي نعرفه اليوم بالفوسفور وهي كلمة إغريقية الأصل تعني “حامل الضوء”.

- قماش الكيفلر “المقاوم للرصاص”
في عام 1964 كان هنالك في أحد المعامل من تسمى “ستيفاني كوليك” التي كانت مسؤوله عن خلق ألياف خفيفة و أكثر مقاومة لصناعة الإطارات بجيل جديد، لكنه قد قدِّر لشيءٍ آخر الخروج إلى الأرض بدلاً من تلك الإطارات، كانت ستيفاني حينها مشغولةً بخلط البوليمرات و الجزيئات الكيميائية القادرة على إظهار نتائج قريبة من الفكرة الأساسية، لذلك أمضت أياماً عديدة في خلط العناصر الصناعية و إخضاعها إلى فحوصات معينه لدراسة ردود الأفعال، إلى أن وضعت إحدى تلك الخلائط على الـ “Die” للاختبار (وهي قطعة معدنية أسطوانية الشكل، مثقبة من الأسفل، وتستعمل في نسج الألياف من الحرائر الصناعية) ظهرت نتائج مفاجئة جداً فبدلاً من نسيج واحد متماسك قد انفصل إلى طبقتين مختلفتين، الأولى كانت صفراء اللون و صافية أما الأخرى فقد خرجت بلون سحابي لامع وثخانة رقيقة.

عندما ظهرت لستيفاني هذه النتيجة الغريبة اكتشفت أن هذه النسج اللامعة تحمل عوامل مقاومة كبيرة جداً على صناعة إطارات تقليدية، وبعد مرور عشرة سنوات من تلك الظاهرة تمت تسميه هذا النسيج بالكيفلر “Kevlar” وأثبت أنه يضاهي قوة الفولاذ بخمسة مرات وتم توجيه صناعته إلى الدروع الواقية من الرصاص بدلاً من العجلات.

- الغراء اللاصق
تم اكتشاف ذلك اللاصق الخارق أو ما يعرف به بالغراء الفوري عام 1942 من قبل الدكتور “هاري كوفر” فيما كان يعمل على صناعة مواقع بلاستيكية خاصة بالأسلحة ليستخدمها الجنود أثناء الحرب العالمية الثانية، في إحدى محاولاته بهذا الخصوص قد ظهر بين أيديه مادة شديدة الالتصاق ” الغراء “ لكن بالنظر إلى انعدام وجود أي فائدة منه أثناء العمل على البحث الرئيسي فقد تخلى هاري عن ذلك الابتكار دون العلم بمدى قيمته المستقبلية.

بعد تسع سنوات من اكتشاف المنتج وانقضاء الحرب العالمية، أصبح هاري مشرفاً على البحث في المشروع الذي تركه منذ سنين عديدة، وقام على تطويره اثناء العمل لدى “ايستمان كوداك” (وهو ذاته مؤسس منتجات كوداك للتصوير) وقد صرّح هاري في إحدى مقابلاته أن اكتشافه للغراء كان عن طريق الصدفة وأن هذه المرة لن يترك الاختراع للنسيان ولن يتجاهل إمكانياته على الإطلاق.

- السلوفان
في عام 1900 استلهم السويسري ” جاك باندينبيرغر” من قبل بعض الزبائن الذين سكبوا النبيذ على مفرش الطاولة التي كان يأكل عليها فكرةً جعلته يركز على صنع مادة ما أو طلاء معين يمنع اختراق المياه ليتم تطبيقها على مجمل المنسوجات.

لم تذهب الفكرة عن رأس جاك طوال سنين عديدة، حتى أنه أجرى أبحاثاً على مجموعة متنوعة من المواد ليجد أخيراً سائلاً لزج يطبَّق على المواد النسيجية، إلا أنه فشل عملياً في تلك التجربة، حيث أن هذه المادة أصبحت جامدة جداً و هشة في الوقت نفسه، ومع ذلك فقد ذهب مجدداً للبحث حول إيجاد حل أنسب، و أشار أنه لابد من وجود بعض المواد الشفافة و القادرة على التعامل مع تطبيقات مختلفة، ومنذ ذلك الحين بدأ البحث باتجاه تلك المادة الشفافة حتى عام 1908 ليبتكر جهازاً متخصصاً بإنتاج الأوراق الشفافة ليسميها بالسلوفان والتي نجدها اليوم على هيئة أكياس بلاستيكية أو أقمشة صناعية للحفاظ على طاولات الموائد من التَلَف.

- التيفلون
في عام 1938 كان الكيميائي ” روي بلونكيت “ أحد الخبراء لدى شركة DuPont الكيميائية، حيث كان يجري العديد من الأبحاث التي تهمه وتهم الشركة بشكل عام، في إحدى الأيام ترآءا لباله فكرة دمج مادة الـ (Tetrafluoroethylen (TFE مع حض الهيدروليك على أمل أنه سيخلق تبريداً أفضل وفقاً لما درسه نظرياً، بعد جمع تلك العناصر وتشكيل خليطة جديدة قام بتخزين حوالي 20 كيلو غرام منها في حاويات أسطوانية مضغوطة.

بعد برهة زمنية من التبريد المتوسط لتلك الحاويات، قام روي بفتح الأسطوانات ليجد أنها فارغة تماماً، في بادئ الأمر قد يعتقد المرء أن أحدهم قد قام بانتزاع تلك المادة لغرض ما إلا أن هذه الأسطوانات قد بدت أثقل بكثير من ذي قبل، أعاد روي التجربة على مجموعة من الأسطوانات الأخرى ليجد أن الغاز الناتج قد تحول إلى مسحوق بوليمر أبيض سمي بـ (polytetrafluoroethylene (PTFE يحمل أربعة خصائص رئيسية وهي أنه شديد الالتصاق، ممانع للتآكل، مستقر كيميائياً، درجة انصهاره عالية جداً.

في وقت لاحق قام المكتشف بلونكيت بتسمية مادته بالتفلون، وفي عام 1954 سخّر المهندس الفرنسي ” مارك غريغوار “ تلك المادة لأول مرة بصناعة أوعية طهي مغطاة بالتفلون مانع الالتصاق، وتعد “ Tefal “ فرنسية المنشأ أشهر هذه الشركات المتخصصة بتلك الصناعة.

- عقاقير الفياغرا
أعتقد أن أفضل تلك الصدف العلمية على قلب العامة هو خطأ صناعة الفياغرا المنشطة. اكتشفت تلك الحبة الزرقاء عن طريق الخطأ أيضاً من قبل مجموعة من علماء مختبرات ” فايزر “، حيث أنهم كانوا يختبرون مادة Sildenafil (العنصر النشط في عقار الفياغرا) لما تمتلكه من قدرة في خفض ضغط الدم، مما جعلها مثالية بالنسبة لهم لإشراكها بصناعة عقارات طبية مضادة لمشاكل القلب والأوعية الدموية.

بعد صناعة نسخ تجريبية من المنتج واختبارها سريرياً وجد العلماء أن معظم الأفراد الذين تطوعوا لتجربة العلاج لم يرغبوا في التخلي عن تلك الجرعات، ليس لجانب إدماني أو علاجي على الإطلاق بل لما وجدوه من آثار جانبية مرحّب بها، والتي أكسبت العقار شهرته بعيداً عن السبب الطبي الحقيقي، لهذا عليك تجنب تلك العقارات إن كنت من أصحاب الضغط المنخفض.

- الزجاج الآمن
قد يبدو من المضحك كيفية اكتشاف ذلك الزجاج الغير متناثر، فقد استوحيت الفكرة من قِبَل كسر أحد الباحثين لإحدى الكؤوس المصطفة على رفوف منزله، حين أدرك أن هذه القطعة لم تتناثر كما العادة إلى عشرات من القطع ليعاود الكرّة مرات عديدة محاولاً تفسير ما حدث.

وجد ذلك الباحث أن الكأس الغير منظفة جيداً لم تتناثر مثل غيرها، غير أنها كانت تحوي طبقة من البلاستيك بداخلها منعت تناثر القطع مما جعله يفكر في صناعة كائنات زجاجية مختلطة بالبلاستيك، لتصل تلك الصناعة إلى زجاج السيارات الحديثة حتى اليوم.

- المايكرويف “Microwave“
أدرك المهندس ” بيرسي سبنسر “ أن ابتكار جهاز المايكرويف سوف يجعل الطعام ساخن بطريقة مميزة لكنه لم يكن ليعرف الطريق له دون الصدفة. كان يعمل بيرسي كأحد موظفي Raytheon (شركة الفضاء والدفاع الأمريكي)، وفي يوٍم من أيام بحثه في تطوير الرادار لاحظ أن لوح الشوكولا الذي كان في جيبه قد ذاب بشكل غريب، وسرعان ما أدرك أن تلك الأمواج الراديوية قد تكون المسؤولة عن تلك الحادثة، ليصرف النظر عن مشروعه الحربي ويتجه إلى تجربة الأمواج مجدداً على الفشار والبيضة التي انفجرت بين يديه بعد تسليط الموجات بشكل مباشر نحوها، وبفضل هذا الاكتشاف فقد تم في عام 1945 اختراع المايكرويف رسمياً ليجوب عامة منازل الأرض هذه الأيام.

- مخدر الـ LSD
تم اكتشاف حمض ليسرجيك الايثيلاميد المعروف مؤخراً بـ LSD عن طريق الخطأ أيضاً إلا أن آثاره و صيته الذائع قد انتشرا بسرعة عالمية كبيرة، و يعود الفضل بابتكار هذا العقار المخدر إلى الكيميائي السويسري ” ألبرت هوفمان “ الذي عمل لمختبرات ” ساندوز “ بداية عام 1929 بمهمته القائمة على دراسة المركبات المشتقة من الفطريات دبوسية الجنس (مصطلح علمي)، بالإضافة إلى فحص و تقييم خصائص هذه المركبات لتحديد إمكانية استخدامها في مجالات العلاج الطبي، حيث أنتج أول مركباته والذي سماه ” LSD-25 “، وعلى الرغم من إعطاء هوفمان لتلك المادة الكثير من الاهتمام إلا أن غيره من العلماء قد قللوا من شأن المركب بما أنهم لم يجدوا به أي شيء خاص، مما أجبر هوفمان إلى تنحيه مركبه الخاص جانباً.

بعد خمسة سنوات من العمل بعيداً قرر أحد العلماء إلقاء نظرة مجدداً على ذلك المركب آملاً بإيجاد خصائص فريدة تفيد المجتمع بينما أنتج لأول مرة عام 1943، ليشعر هوفمان فجأةً بأحاسيس غريبة على حد تعبيره بسبب ابتلاعه لبعض من أجزاء المركب مما أودى به إلى إيقاف العمل حينها والعودة إلى المنزل، وقال أيضاً أن إحساسه الغريب ذهب به إلى مشاهدة صور تخيلية مميزة والعديد من المجسمات الملونة، ليكتف العلماء في نهاية الأمر أن هوفمان لم يبتكر واحد من المخدرات بل أحد أخطرها وأقواها على الإطلاق.

بعد كل ما قرأناه من تلك الاكتشفات أعتقد أن عديداً منها لم يكن من المتوقع اختراعه بمجرد الصدفة، إضافةً إلى إهمال بعضها لفترات زمنية مختلفة قبل اكتشاف أهميتها بالنسبة لأفراد كوننا، فكما وجد هؤلاء العلماء من صدفهم و أخطائهم بوابةً لأهم الابتكارات فقد تكون إحداها من حظنا يوما لذلك ليس علينا إهمال غير المتوقع من عملنا فربَّ صدفة من غير ميعاد.

[source]

تعليقات