"أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل أبداً"
جاء اليوم الذي سيحيا فيه واحدٌ من أعظم علماء ومخترعي القرن العشرين، إنه ليس يوم تعظيمٍ جديد لإديسون، ولا يومٌ آخر من أيام استعادة حقوق تيسلا المسلوبة، بل إنه يوم سيتكرر كل يوم، كيف لا وهو يومٌ نعتذر به من شهيد العلم والعروبة لتقصيرنا في حقه، ومن أكثر منه يستحق كل اعتذارنا؟! ألا إنّه المخترع العربي حسن كامل الصبّاح.
قرأنا كثيراً عن علماء ومخترعين غيّروا وجه الحضارة الإنسانيّة للأبد، منهم من تم تقديره في حياته، ومنهم من تمت محاربته طوال حياته ومن ثم الاعتراف بفضله بعد وقت طويل من رحيله، وقسمٌ كبيرٌ منهم لم يتم ذكرهم لا في وجودهم ولا في غيابهم..
نستطيع أن نجزم بأن بطلنا اليوم هو واحد من أشهرهم وأعظمهم على الإطلاق، إنه “إديسون الشرق” أو “فتى العلم الكهربائي”، إنه المخترع العربي العظيم حسن كامل الصبّاح.
لبنانيّ الجنسيّة، عربيّ الهوى والانتماء، إنسانيّ التوجّه والاعتقاد، حياته كانت علماً وعملاً على حدٍّ سواء، نذر روحه لخدمة البشريّة، فما كان منها “البشرية” إلا أن كافأته بظلمها له ولمكانته العلميّة الرفيعة.
مخترعٌ تنسب إليه الكثير من أهم الإختراعات في القرن الماضي، ربما يكون أهمها “جهاز توليد الكهرباء المجانية النظيفة” والذي كان المبرّر لتجّار “الحضارة” في إقصائه عن ساحة الشرف والمجد.
نشأته
ولد حسن كامل الصبّاح في مدينة “النبطيّة” في لبنان عام 1895 ودرس في مدارس وجامعات دمشق، وتنقّل بين بيروت ودمشق طلباً للمال الذي يحتاجه كي يكمل دراسته، إلا أن وضعه لم يستقر، فوضع في باله الانتقال إلى الولايات المتحدة لإكمال مسيرته العلميّة والمهنيّة.
حيث كانت الولايات المتحدة (على عكس بلدان العالم وقتها) منارة العلم والابتكار، فكان كل مخترعي العالم ومن كل الدول يتسابقون إليها ليوسّعوا مداركهم ويزيدوا من خبراتهم، فقُدّر له أن يُقبل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قبل أن ينتقل فيما بعد للدراسة في جامعة إلينوي..
لكن مصاعب الحياة هناك أجبرته على ترك الجامعة قبل تخرجه، فعمل مع توماس إيديسون في (ثاني أكبر الشّركات الصّناعيّة والتجارية في العالم) شركة “جينيرال إلكتريك” General Electric والتي كان قد أسسها إديسون سابقاً لصناعة الأدوات الكهربائية المختلفة، حيث عمل فيها كمهندس في قسم “الصمامات المفرغة” التابع لمختبر أبحاث الشركة.
وكان لم يكمل من عمره الـ 28 سنة، فسرعان ماتنبّه مدراء العمل إلى ذلك الشاب القادم من الشرق، حيث كانت موهبته مشعّة، فعيّنوه مهندساً رئيسيّاً وخصّصوا له قسماً وعدداً من المهندسين تحت إدارته كي يزيد من أبحاثه ودراساته حول الطاقة الكهربائية وطرق الاستفادة منها في الأدوات التي تعتمد عليها.
شعار جينيرال إليكتريك
|
بعد تمهيد البيئة الملائمة للابتكار، بدأت اختراعاته بالظهور إلى النور، فاستهلها بجهاز ضبط الضغط الذي يعين مقدار القوة الكهربائية اللازمة لتشغيل مختلف الآلات ومقدار الضغط الكهربائي الواقع عليها.
ثم أتبعه بجهازٍ يدعى “المربع الوحيد الكرة” والذي يساعد على إضاءة عدة مصابيح مسلسلة بنور ثابت مهما بلغ عددها، ومن ثم صنع جهازًا للتلفزة يستخدم تأثير انعكاس الإلكترونات من فيلم مشع رقيق في أنبوب الأشعة المهبطية، وهو جهاز إلكتروني يمكّن من سماع الصوت في الراديو والتليفزيون ورؤية صاحبه في آن واحد.
ثم بدأ بدراسة توليد الطاقة المتجددة النظيفة و”المجانيّة”، فتوّجها باختراعٍ رائد لم يأتِ له نظير حتى أيامنا هذه، يعمل على توليد تيار كهربائي دائم من الطاقة الشمسية، حيث كان عبارة عن بطارية ثانوية يتولّد بها حمل كهربائي بمجرد تعرّضها لأشعة الشّمس، فإذا وُضع عدد منها يغطّي مساحة ميل مربع (2.5 كم مربع) فإن القوة الكهربائيّة التي يمكن استصدارها من الشمس عندئذ تصل حتى 200 ميجا واط (حاجة دولة قطر ليوم كامل)..
فأراد أن يطلقه ويجربه في إحدى الدول العربية، حيث كان حلم طفولته أن يرى وطنه العربي مزدهراً بموارد الطاقة المختلفة، ولإدراكه بأن بلاده هي صاحبة الأولويّة لمثل هكذا اختراع، وفي نفس الوقت، كي يسجَّل للعرب سبَقٌ علميٌّ تاريخيّ يواكبون به عجلة التطوّر التي كانت تسير باطّرادٍ بعيداً عن آمالهم في اللحاق بها.
فكتب للملك الراحل فيصل الأول ملك العراق رسالةً يشرح بها مشروعه القائم على بناء مصانع لتوليد الكهرباء وتوزيعها على أقطار الوطن العربي، لكن الأخير توفي قبل أن يتبنى المشروع، فهمّ بعرض اختراعه على الملك السعوديّ الراحل عبد العزيز بن سعود ليتمّ تجريبه في صحراء “الربع الخالي” في شبه الجزيرة العربية..
ولكن قبل أن يتمّ له ذلك، قامت جهة مجهولة الهويّة بتدبير حادثٍ مروريّ في أحد شوارع نيويورك أودى بحياته، عن عمرٍ لم يتجاوز الـ 39 عاماً.
كان قد أنجز خلالها الكثير من الاختراعات عظيمة الفائدة نذكر منها..
* جهاز لنقل الصورة، يستخدم اليوم في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليه السينما الحديثة، وخاصة السينما سكوب والتلفاز.
* جهاز لتفريغ الشحن الكهربائي في الفضاء.
* مرسل للصور والمناظر.
* كان قبل رحيله قد بدأ العمل على محرك للطائرة يمكنها من الطيران في طبقات الجو العليا (شبيه بالمحرك النفاث).
* له أبحاث في الذرة حسب بعض المراجع.
والكثير من الاختراعات التي تتراوح بين 35-176 اختراعاً قد أنجزها بنفسه بالإضافة إلى 15 اختراعاً مشاركةً مع علماء آخرين، وقد سجلّها في 13 دولة منها: الولايات المتحدة الأمريكية، بلجيكا، كندا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، أستراليا، الهند، اليابان، إسبانيا واتحاد دول أفريقيا الجنوبية.
ألقابه
أطلقت عليه بعض الصحف الأمريكية لقب خليفة أديسون أو “أديسون الشرق”، وكان العربيّ الوحيد الذي منحه معهد المهندسين الكهربائيين الأمريكيين لقب “فتى العلم الكهربائي”.
هذا وقد تم تكريمه من قبل العديد من الدول والمنظّمات والشركات والشخصيات في العالم مثل الاتحاد السوفييتي ومجموعة سيمينس ، وكان الرئيس الأميركي الراحل روزفلت قد أرسل إكليل ورد ليرافق جثمانه أثناء نقله إلى مسقط رأسه.
وقال فيه رئيس شركة جينيرال إلكتريك: “إنه أعظم المفكرين الرياضيين في البلاد الأمريكية، وإن وفاته تعدّ خسارة لعالم الاختراع”، ونال الكثير من الأوسمة والشهادات.
الغريب في القصّة أنّه وفي السنوات اللاحقة لوفاته تمّ (وبشكلٍ لا يقبل الشّك) طمسُ سيرته وإنجازاته الكثيرة، والتي كانت قادرة على حلّ الكثير من المشكلات التي تواجه الجنس البشريّ إلى الأبد، فليس غريباً أنّ معظم العرب لم يسمعوا بهذا المخترع العظيم والذي كان له دورٌ رائد في الارتقاء بالحركة العلميّة والصناعيّة العالميّة.
فلطالما دفع الكثيرون من العظماء حياتهم ومجدهم ثمناً للنهوض بمجتمعاتهم وبلدانهم، خاصّةً إذا كان أحدهم ينتمي لبلدٍ لا يستطيع حماية عظمائه من شرّ الأوغاد الذين جلّ همهم جمع الثروات ولو على حساب معاناة الشعوب وقهرها.
فلهُ منّا كلّ الاعتزاز والفخر، وله منّا عهدٌ أن نواصل ماكان قد بدأه هو وأجدادنا من قبله إلى أن نصل إلى المكانة الطبيعيّة التي تليق بأمّةٍ كانت وماتزال تنجبُ العظماء والمبدعين.
مارأيكم بهذا المخترع العظيم؟ هل كنتم تسمعون عنه من قبل؟
[source]